يقول الرومان لم تُبنى روما في يوم، ويقول الصناعنة -إن صح التعبير- لم تبنى صنعاء أيضاً في يوم، وكأن المدرّج الروماني أجمل من السائلة وسمسرة وردة! ولكن أتباع مملكة حزيَز وما جاورها من شعاب وقرى وممالك ومحيطات، لهم رأي آخر، ومثل كل شيء حزيَزي فالشطحات موجودة دائماً، سيقولون أن حزيَز لم تبنى في أسبوع!! لأنهم يظنون أن سوق الوحدة يوازي سوق البورصة العالمية (وول ستريت) في نيويورك، وحافلاتهم التي تُجنّب بكل برودة دم في الخط السريع، يظنون أنها ألهمت الحافلات البريطانية ذات الطابقين، وشارع المائة الذي ليس له من العرض إلا اسمه يعتبرونه أطول من سور الصين العظيم.

دعونا من كل تعقيد وصعوبات فهم مملكة حزيز، لنعد إلى الموضوع الرئيسي الذي يشغلني حالياً، لأن البعض يعتبرون الدراسة والعلم مجرد حظ، ورزق وهكذا (تسبر له) وهو (طحطوح)، وبالمناسبة فـ(طحطوح) جزار في الأصبحي ويوفر لحمة من أروع ما يكون، ينسى هؤلاء الطلبة أو يتناسون، كل الجهد الذي بذله المحظوظون كما يُتوهم لأول مرة. قد يُخفي هذا الطالب عنك اجتهاده تواضعاً أو خوفاً من العين، أو حاجة في نفسه لا نعلمها، أو هكذا، ولكن تأكد أن خلف كل ثمرة ساعد، ووراء كل رجل عظيم ليس امرأة عظيمة وحسب، بل نفسٌ عظيمة أيضاً. 

إن قالها فلن تزيد عن: "لقد اجتهدت والحمد لله الذي وفقني"، ولكنه لن يتكلم عن سهره الليالي الطوال واستيقاظه فجراً، لن يحدّثك عن المرات التي نام فيها على كتابه من شدة انهماكه ، ولن يشعرك بالصراع الذي دار بينه ونفسه حول مشاهدة العرض المفضل لديه وامتناعه عنه طلباً في المذاكرة ، لن يخبرك كم كان جائعاً عندما ترك الإفطار خشية عدم دخوله المحاضرة، ولن يشير إلى كم عدد المرات التي أصيبت أصابعه بالشد العضلي جرّاء الضغط المتكرر على لوحة المفاتيح، هذا بغض النظر عن الإغراء الحاصل والداعي لفتح الفيسبوك ويوتيوب وغيرها من مواقع الترفيه، لن يخبرك بكم هي المرات التي غير فيها جدوله ومواعيده لتلائم هذا الاختبار أو هذا الواجب، لن يخبرك بكل شيئ أو أي شيء، سيعمل في صمت لتتحدث عنه نتائجه فيما بعد.

ودعونا لا نغفل بالمرة الدور التي تلعبه القوى النفسية فينا، فهي محركاتنا في كل ما نفعله، وقد سمعت ذات مرة إن المسألة هي فقط حالة ذهنية، إن أقنعت نفسك بأن تفعلها فما هي إلا مسألة وقت حتى تقوم بذلك،  "تفاءلوا بالخير تجدوه"       

وإذا كانت النفوس كباراً .......... تعبت في مرادها الأجسامُ

ولنكن صريحين مع أنفسنا أكثر، فالتوفيق الإلهي لا يمكن تجاهله أبداً ودعاء الوالدين وكل هذه الأمور، ولكن الدعاء لا يحرك صخراً جامداً "والذين اهتدوا زادهم هداً"، ركزوا على (زادهم)، ولكم في رسول الله وصحبه عبرة لمن ظنّ أن الأمور فقط بالتمني وأحلام اليقظة.

وفهم الآخرين السريع ليس ذكاءً خارجياً، أو RAM إضافي يحملونه في رؤوسهم، إنها فقط، سنوات متواصلة من الاجتهاد، والتعلم، وليست وليدة اللحظة، ويمكن أن تتغلب عليهم ولكن بجهد مضاعف ليس إلا.

وعوداً على بدء والعَود أحمدُ، لا تراقب الآخرين كثيراً، ولكن انظر إلى نفسك اليوم وخذ نظرة استباقية للمستقبل القريب، هل هذا ما تريده حقاً، إذاً ماذا تنتظر؟ الكتاب لن يزحف على ركبتيه رجاء أن تفتحه، واللابتوب لن يمانع أبداً إن طبقت فيه أو إن لعبت سوليتر العنكبوت، استحضر قوله تعالى "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون"، وتذكر دائماً وأبداً أنّ (حزيَز) لم تُبنى في سنة!!  

تحياتي ...

*ملاحظة: كتبت هذا المقال على الفيسبوك في ٢٠١٨ تحفيزا لزملائي للمذاكرة والاجتهاد في الجامعة. لم يعودوا معنيين بهذا الكلام حاليا، ولكنني رأيت كتابتي وأعجبتني (حقا؟!)  فأعدت نشرها. وأما الحديث عن منطقة ( حِزْيَزْ) في صنعاء فهو مداعبة لكثير من الأصدقاء الذين يقطنون هناك. إذا شعرت أن هناك بعض الجمل لم تفهمها بسبب كونها محلية أخبرني وسأوضحها في المقال. *