لم يعلم نيكولو ميكافيلي أبداً أن كتابه سيحدث كل هذه الجلبة واللعنات والدراسات المستفيضة، بينما المثاليين والمسرحيين يرمونه بأبشع الصفات، يتناوله حكامهم خفيةً وينهلون منه كل يوم قبل أن يناموا
هذه هي مراجعتي الأولى من نوعها لكتاب ما بهذه المنهجية، والمسألة ليست تطوراً ولا تحسنا في التجربة الكتابية ككل، ولكن لنقل إنها المزاجية والفراغ وعدم وجود عمل أقضّيه إلا هذه المراجعة، على أنها ليست سيئة على كل حال.
هذا الكتاب من أكثر الكتب تأثيراً في البشرية حيث أنه أول كتاب سياسي منهجي في العصر الحديث وبالذات أوروبياً، وأصبح يدرس في معظم جامعات العالم باعتباره أولى إرهاصات الكتابة السياسية التي توالت فيما بعد بشكل غير مسبوق. وكما أن الكاتب أهدى هذا الكتاب للأمير ووضع فيها عصارة تجربته في الحياة، راغباً في توحيد إيطاليا وتحريرها من الاستعمار الأجنبي ومن الصراعات الدامية حينها والتي تظهر جلياً طوال استعراض صفحات هذا الكتاب، إلا أنه سبب جدلاً واسعاُ لم تنضب منه الأقلام حتى يومنا هذا.
والناصح - أي ميكافيلي- لم يخجل أبداً من نصح الأمير بأبشع الصفات معللاً ذلك بحوادث وأمراء سابقين، ونصائحه من قبيل: قتل الأسر الحاكمة عن بكرة أبيها عند استلام الحكم ، وأن الأمير يجب أن يتصف بالصفات النبيلة والأهم من ذلك أن يشتهر بها ولكن لا يملك أي غضاضة عند الإتيان بأقبح الرذائل عند الحاجة إليها لأن الفضائل كما يصفها ميكافيلي تؤدي إلى المهالك في أحيان كثيرة على حد زعمه، وأخيراً وليس آخرا مبدأه الشهير في أن الغاية تبرر الوسيلة. على أننا كقراء ألا نلتفت لكل هذه الخسة التي يكتب بها الكاتب بقدر ما نفهم الوضع السياسي القائم في طول التاريخ وهو يتمثل بشكل أو بآخر بنصائح نيكولو الصريحة و الفجة إلا في القليل النادر.
الكتاب يعرض نصائح سياسية أخرى من الطراز الرفيع في مختلف جوانب الحكم والحرب والتعامل مع مختلف أنظمة الحكم، ويعتبر مرجعا تاريخيا لتلك الفترة الحرجة من تاريخ إيطاليا وأوروبا عموما، وهو يتناول الأحداث والأمراء وكأن الجميع يعلمها فهو لم يمهد لها، لذا فالقارئ يصاب بالتوهان من كثرة الأسماء والحوادث ويشعر بالملل أحياناً.
وهكذا لم يكن يتوقع ميكافيلي أبداً أن بعد أكثر من خمسمائة عام لا تزال النقاشات والمراجعات مستمرة على كتابه و أميره الذي لم ينجح أبداً في تحقيق الهدف من هذا الكتاب، وأن كتابه الصغير قد دوخ العالم إلى اليوم.