أولًا، هل سمعتم بسخط الأجيال السابقة من كسل هذا الجيل وهبوط عزمه فيما يخصّ العلم؟ أظن أنكم سمعتموه كثيرًا خصوصًا لو كنتم من الأجيال التي سبقها جيل أو أكثر من المتعلمين في المدارس والجامعات. فمن السير في الليالي والقفار من أجل التعلّم في المدارس، إلى السفر من أجل معارض الكتاب وإتلاف الأموال القليلة أصلًا من أجل الكتب والمراجع الدراسية، وسهر الليالي على الشموع، وشظف العيش والكفاح من أجل التعلم، والسفر للبلدان من أجل بحث أو مخطوط أو مرجع. ربما بعضكم لم يسمع بهذا لكنه لا يجهله والجميع يعرف بمدى الفرق في سهولة التعليم بين الماضي والحاضر والتي تكلّلت بالاختراع العجيب: الإنترنت. وقد يأتي إليك من الآباء المخضرمين من سيقول لك أنه كانوا يتعلّمون رغم ضرب معلميهم لهم ورغم (الفَلَكَة == الضرب بالعصِيّ على الأقدام) ورغم كل تلك القسوة فقد تعلموا.. ونحن نزداد رفاهية في التعليم وبعضنا يزداد دَلَعًا.  

ثانيًا، لا أؤيد الزواج عبر الإنترنت بالعموم؛ لأن التواصل مختلف عمّا هو في الحقيقة، فشخصياتنا مختلفة على الواقع منها على مواقع التواصل بل شخصياتنا تختلف باختلاف المنصات ذاتها.. فأحد المنصات -بحسب استخدامي لها- أجدني أرعد وأبرق وأشارك كل يوم، في مقابل منصة أخرى لا تسمع لي فيها من ركز، ومن خلال مشاهداتي أجد منصات يتحدث أحدهم فيها بأقذع الشتائم وينشر أكثر النكات المحظورة وتجده في نفس المنصة ولكن على مجموعة أخرى يغرقنا بنصائح ابن القيم والحسن البصري والنابلسي. إذًا، ما هي حقيقة شخصياتنا؟ لا أعلم حقيقة.. لكني أعلم أننا تختلف كثيرًا عما نظهره على الويب رغم أن هناك الكثير منّا ننثره على هذه المواقع. بالمجمل، كل واحد أخبر بنفسه وحياته وليتّخذ من شاء زوجًا له.. نحن نعرف أن الناس يريدون أن يتزوجوا ممن هو خال من العيوب أو ممن يتوافق معهم بأكبر قدر ممكن حتى يكونان شخصًا واحدا لا فردين مختلفين لكل منهما نوازعه واختلافاته.. ولكن هيهات.

ثالثًا، في العادة، من الصعب جدًا أن تتزوج من يعلّمك، لاعتبارات متعلقة بالسن ولاعتبارات أخرى.. ربما قد تكون هناك استثناءات معيّنة هنا وهناك لكنها تبقى استثناءات. هذا ونحن نتحدث عن التعليم الحقيقة المباشر بَلْهْ التعليم عبر الإنترنت.. وهو محور حديثنا اليوم..

ولكن هذا لا ينطبق أبدا على معلميكم عبر الإنترنت... من يقدمون الدروس على اليوتيوب ومختلف المواقع..

نحن نعيش في هذا العصر في طفرة معلوماتية لم يشهد لها مثيل.. فالمحتوى يتضاعف تضاعفًا هائلًا كل يوم هذه الطفرة المعلوماتية الخارقة للعادة أعطت قُبلة الحياة لكل من لم يتسن له الالتحاق بالجامعة أو حالفه سوء الحظ في دراسته الأساسية أو الجامعية.. نستطيع أن نتعلم معظم الأشياء تقريبا.. ولكن لماذا لا يتعلم الأكثر رغم كل هذه الوفرة الطاغية؟ هناك العديد من الأسباب ولكن.. سأذكر أحدها وهو أن الكثير من الناس يريدون الزواج بمن يعلمونهم على الإنترنت!!

  • وكيف ذلك؟

  • يريدونهم خالين من العيوب!

أحدهم يريد مونتاجًا خرافيًا، وآخر ينزعج من موسيقى الشارة، والبعض لا يتعلم منه لأن صوته أجش وآخر يدعي الرجولة بغير محلها فيتمنع عن التعلم ممن صوته رقيق بعض الشيء، أو أن الصوت حاد، وآخر لا يتنازل عن التعلم ممن يشرح بلهجة معينة، وسيأتي أحد ما يستهزئ بمن يشرح بلغة إنجليزية بلكنة هندية ونحوها..

البعض لا يعجبه الفيديوهات القصيرة وآخر لا يعجبه الفيديوهات الطويلة، وآخر سيمتنع عن التعلم من أحد الشارحين لأنه مُبالغ في الظرافة وآخر سيكره آخر مبالغ في الجديّة...إلخ. وهذا ألثغ، وذاك يتكلم من أنفه، وآخر لا يعجبه وضع الشارح صورته في زاوية الفيديو..

نعم، لكل واحد منا تفضيلاته الشخصية ولكن الامتناع من التعلم بسبب هذه الأسباب والاكتفاء بهذه الأسباب لعدم التعلم لهو سبيل العاجزين.

من يريد أن يتعلم فإنه سيفتش عن العلم ولو "بالسِرَاْج" كما يقول المثل الشعبي اليمني، ومن يريد الزواج بمعلميه عبر الإنترنت فإنه لن يبرح مكانه، وحتما سيكون شريكه الحقيقي في الحياة مليئا بالعيوب، وهو "قاعد" في مكانه ويطلق النكات على من يقدم شرحًا.

أما وأنت لا تقبل الدفع في مقابل التعليم، فتقبّل من يشرح بالحد المقبول، وتعلّم وصِل إلى هدفك ولا يكون نفورك من معلمك عبر الإنترنت عائقًا.. فالتعليم شيء والترفيه شيء آخر، ولا يجتمعان إلا قليلًا، وحتى لو اجتمعا، فمع الغوص في لجج العلم يتلاشى كل معنى للترفيه..

وهاك من حكمة الشافعي:

اِصبِر عَلى مُرِّ الجَفا مِن مُعَلِّمٍ *** فَإِنَّ رُسوبَ العِلمِ في نَفَراتِهِ 

وَمَن لَم يَذُق مُرَّ التَعَلُّمِ ساعَةً *** تَجرَّعَ ذُلَّ الجَهلِ طولَ حَياتِهِ

وَمَن فاتَهُ التَعليمُ وَقتَ شَبابِهِ *** فَكَبِّر عَلَيهِ أَربَعاً لِوَفاتِهِ           

أخيرًا، كن عَمَليًا في تعلّمك.. تعلّم من أي واحد على الإنترنت قدّم معلومة مهما كان موقفك الأيديولوجي منه أو خصائصه الطبيعية أو سحنته (ولا أدري ما هي) أو أسلوبه في التقديم أو غير ذلك. ما دمت تستطيع التعلم منه فتعلّم ولا تتزوجه.