اقتباس: "إن استبدال اللغة، بالنسبة للكاتب، هو بمثابة كتابة رسالة غرام باستعمال قاموس" -- سيوران
كتاب رائع.. من تأليف المغربي عبدالفتاح كيليطو وترجمة عبدالسلام بنعبد العالي.
يتحدث الكاتب عن اللغات وخصوصا العربية بحكم أنها اللغة الأم للكاتب، بطريقة ساحرة تنتقل من كتاب لآخر وتتمحور حول فكرة لغوية واحدة في كل مقال. الترجمة رائعة ولا تشعرك غالبا أنها مترجمة. نلاحظ من خلال هذا الكتاب وملاحظاته الدقيقة أن اللغة تتداخل مع مكنونات كثيرة للإنسان: الهوية والوطنية والتوجه الفكري والديني.
قد يعيب على بعض قارئي "المشرق العربي" عدم معرفتهم بكثير من الإحالات إلى كتب وكتّاب فرنسيين لا علم لنا - نحن المشرقيين - بهم وهذا قد يقلل أثر الكتاب علينا بحكم ضعف الخلفية اللغوية والثقافية المشتركة.
تعرفتُ على أشياء لطيفة بهذا الكتاب: عن وحشية الاستعمار الفرنسي ثقافيا وفرضه للّغة الفرنسية على أبناء البلدان المستعمرة، وهذا لمحته من غير قصد من الكاتب على هامش الصفحات، وعرفت كذلك أن العقاد والمازني من المدرسة الأنجلوفونية (الإنجليزية)، وأن طه حسين وتوفيق الحكيم من المدرسة الفرونكفونية (الفرنسية)، وعن التأثير العكسي لكوميديا (دانتي) على رسالة الغفران للمعري، وعن كراهيتنا للأجنبي عندما يتقن لغتنا حق الإتقان! وخيانة الترجمة، ونهضة الأدب من الخارج، وعن عدة أشياء أخرى.
اقتباس: "بقدر ما يكون التكلم بالدارجة يسيراً، بقدر ما تكون قراءتها شاقة مملوءة بالفخاخ."
ينتقل الكتاب من بدايته في ذكريات طفولته ولغته منتقلا لهموم القارئ العربي عامة ثم ينتقل في آخر الكتاب إلى هموم المغربي والأدب المغربي خاصة، هذا القسم الذي لم يعجب الكثير من المراجعين وبالنسبة لي كان هذا القسم أقل (إثارة للانتباه). أليس هذا من اللغة الاهتمام بأدب دولة ما، أو لنقل أليس من صميم اللغة الاهتمام بالأدب الوطني للكاتب نفسه ونقد مؤلفيه وكتاباتهم؟
اقتباس: "كنت أتقبل العامية في السينما والمسرح، لكنني لم أكن أطيق اقتحامها حرم المكتوب"
كتاب خفيف وممتع وظريف، صغير يقع في 120 صفحة، يفتح أبوابا من سحر اللغة وجمالها وتأملاتها، مثير للتساؤلات أكثر مما يقدّم أجوبة، ولا يورد حقائقاً نهائية.
عظمة الكتاب تكمن في أنه تحدث الكثير والكثير في عدد قليل من الكلمات والصفحات!
يصلح الكتاب كفاصل بين عدة كتب دسمة وكوجبة خفيفة تنقلك لمكان آخر أكثر عذوبة.
مما كتب على غلاف الكتاب
لا نتحرّر من لغتنا التي تربّينا عليها في أسرتنا، والتي اعتدناها وألِفناها. فهي حتى إن كانت في حالة كمون، فإنها تظل متربصة في المناسبات جميعها. على هذا النحو فإن كل متكلم يعبّر باللغات الأجنبية انطلاقا من لغته التي يمكن التعرّف عليها عن طريق نبرة شاذة أو لفظ أو تركيب، وأيضا عن طريق النظرة وسمات الوجه (أجل، لِلُغة وجه). مهما كانت الكلمات الأجنبية التي أتلفظها، تظل العربية مسموعة من خلالها كعلامة لا تَمّحي. أتكلم اللغات جميعها، لكن بالعربية بكل أسف، لست أنا صاحب هذه القولة الجميلة، لست صاحبها بالتمام. فهي اقتباس معدل لمقطع من يوميات كافكا الذي يورد هو بدوره قول فنانة من براغ: «أترون.. إنني أتكلم اللغات جميعها، لكن بالييديش«.