بالمناسبة، استخدمت تعريب وترجمة تبادليا في هذه التعليق وقد تعني بعض الاختلاف عند المتخصيين.

المسألة فيها تفصيل: أولا، بالنسبة لتعريب العلوم والتقنيات، أي تعريب الكتب والمقالات والمحتوى الأساسي والتعليم بها، فهذه ضرورة قومية ودينية لا محيص عنها خصوصًا لمراحل التعليم الأولى.. أتحدث عن التعليم وليس المصطلحات. وجود محتوى باللغة العربية سيوفّر على ملايين الناس التعلم بلغتهم الأم سواء قبل تعلمهم اللغة الإنجليزية أو كان مستواهم فيها ضعيفًا أو لم يتعلموا الإنجليزية بالمرة.. وجود العلم بلغتنا الأم حاجة أصيلة ومن حقوقنا الأساسية.. ولن يحصل أن يتعلم كل الناس اللغة الأجنبية، ولن تستطيع هذا أي بلاد إلا إذا انسلخت تمامًا من هويتها وهذا مرفوض.. إلى جانب أن تلقي العلوم باللغة الأم أيسر وأوضح وأكثر ارتباطًا بثقافة المتعلم وكيانه وحياته اليومية.. وقد يفضّل المتلقي الدرس بلغته الأم ويفهمه أكثر من تلقيه بلغة أجنبية حتى لو كان يتقنها لوجود عائق اللغة.. إلا في حالة وجوده بجودة غير موجودة باللغة الأم. ولكم أن تعرفوا أن آلافًا من الشباب الذي تعلم البرمجة مثلا تعلمها على يد قنوات اليوتيوب العربية ثم بعد ذلك تعلّم من المصادر الأخرى ولولا هذه المصادر العربية (والتي ازدادت بفضل الله) لنفر الكثير من الناس من التعلم وتركوا المجال.. وكثير من الناس لا تسنح لهم الفرصة لتعلم اللغة الأجنبية إلا بعد الثانوية مثلا ولو أرادوا تعلم المجال في سنوات المدرسة أو الثانوية لم يجدوا من بدّ من التعلم بمصادرهم العربية.. وأنا على سبيل المثال (ومثلي كثير) لم أتعلم الإنجليزية إلا بعد الثانوية.. إن ترجمة وكتابة المواد التعليمية باللغة الأم هو ما تفعله الدول المتقدمة أو التي تريد التقدم مثل الصين وروسيا وألمانيا وفرنسا وكوريا واليابان وتركيا وغيرها، وبما أن معظم المعلّقين مبرمجون أو مهتمين بالبرمجة فهم يعرفون مدى تهافت الترجمات إلى مختلف اللغات في أي مبادرة برمجية تتيح الترجمة Free Code Camp و MIT Open Courseware و Khan Academy وغيرها من الكتب المرخّصة برخصة المشاع الإبداعي.. إن استمرار التعليم باللغة الأجنبية هو استمرار للتخلف والجمود واستمرار الطبقية المهلكة في جعل التعليم حكرا على أبناء الأغنياء الذين تيسّرت لهم الدراسة بالمدارس الأجنبية والالتحاق بالمعاهد المكلّفة.. إلى جانب أن هذه التنشئة الأجنبية مؤثرة في نفسية هذه الأجيال التي تمتلك تسهيلات العلم ومع ذلك تمتلك هذه النخبة الفكر والتربية الخادمة للمحتلين لينفذوا أجنداتهم مثل كلية "فيكتوريا" في مصر أثناء الاحتلال الإنجليزي والمدارس الفرنسية في المغرب العربي لذا أرى أننا متفقين على ضرورة التعليم باللغة الأم ليس في البرمجة والتقنية فحسب وإنما في كل العلوم.. ويجب علينا التفريق بين عجزنا عن أمر وعن كونه صوابًا

وننتقل للنقطة الثانية..

المسألة الثانية، هي تعريب المصطلحات، وفيها تفصيل كذلك. منذ قديم الزمان هناك مصطلحات تُعرّب بحسب ما تجد اللغة من سَعَة وهناك مصطلحات تضاف بتغييرها بضع الشيء لتناسب هذه اللغة.. ومع الوقت تصبح جزءا من اللغة وينسى أصحابها أنها من الدخيل..وفي اللغة العربية الكثير من الكلمات الفارسية والتركية التي امتزجت باللغة العربية وصارت جزءا منها. المصطلح وترجمته أصبح علما قائما بذاته وله متخصصوه وعلماؤه.. ولهذا علينا -نحن التقنيين- أن نمد جسور التواصل مع متخصصي هذا الحقل والتكامل فيما بيننا فيما يخدم تعريب المصطلح ورفد اللغة العربية بمختلف العلوم.

أرى أن أكثر شيء ضر بتعريب المصطلحات هو عدم توحيدها، وأما الذي توحّدت فيه التعاريب فالناس يستخدمون المصطلح العربي دون حرج. مصطلحات مثل: بيانات، برمجة، خوارزمية، واجهة، تحميل، برنامج، ..إلخ. لكن هناك بعض المصطلحات فيها العديد من الترجمات: مثلا: Server تترجم إلى: سيرفر، خادم، خادوم، ملقّم! وObject Oriented تترجم إلى: كائنية التوجّه وكائنية المنحنى، وغرضية التوجّه، وهدفية! ومثل هذا كثير.. واللوم يقع على المجامع اللغوية وأصحاب القرار الذين لم يوحدوا تعريب المصطلحات ولم يترجموها حين صدورها حتى تعتادها الألسن ولا تستقلها النفوس.. لكن، مع ذلك، يمكن وضع حل لهذه المشكلة بوضع معجم إلكتروني يجمع كل هذه الترجمات والاجتهادات ويرجّح بينها ويعمم هذه النتائج، وتصدر على إثره آلاف الكتب والمراجع المترجمة والأصيلة بهذه الترجمات حتى تصبع هي الأصل.. وهذا الأمر ممكن في ظل وجود جهود لغوية كبيرة مثل معجم الدوحة التاريخي ومعجم الشارقة التاريخي ومبادرة مليون مبرمج عربي ومبادرة "مدرسة" التي أظن أن كثيرا من محتواها مترجم عن Khan Academey (ولست متأكدا).. مع التقنية الحديثة يمكن توحيد الجهود وتعميم تعريب المصطلحات ولكن يحتاج إلى مبادرات ذات تمويل كبير وجمع كوكبة من المتخصصين في العلوم واللغة ونشر هذه التعاريب في الإعلام والكتب والمواقع ودعم هذه الترجمات.. إننا لا نتحرج من ترجمات: سيارة (وليس أوتوموبيل!) وقطار وطائرة وغيرها من الترجمات البارعة والسريعة والتي عممت بقصد أو بدونه.. لكن حاليا، أنصح باجتهاد الترجمة مع كتابة المصطلح الإنجليزية بين قوسين، وربما في بقية المقال لا يتكرر المصطلح الإنجليزي.. وهذا ما تقوم به أكاديمية حسوب وموسوعة حسوب، وقد ترجمت آلاف المقالات في البرمجة والتصميم وريادة الأعمال وهذه المجالات، وقد ترجمت معهم بعض المقالات. المميز في أسلوبهم أن له نموذج ربحي يغطي مصاريف المستقلّين الذين يقدّمون هذه الترجمات، ونحن في أمسّ الحاجة للعديد من هذه الأعمال التي تدعم المحتوى وتوفر العلم باللغة العربية بجودة عالية.. ولو حدث هذا (وهذا ما أرجوه) سيتغير الوضع العربي العلمي تغيرًا هائًلا.. ومع كثرة انتشار الترجمة وتعوّد الناس عليها سيكون استخدامها هو المرغوب وليس المصطلح الأجنبي.