تنظر محدقاً في الأفق، منتظراً للمجهول، كذلك الجندي العثماني ومدفعه الأصفر وطبشيته في قصة عبدالولي، حيث لا يعلم ماذا يحدث في اسطنبول ولا يدري أن دولته (الرجل المريض) أصبحت تعاني من سكرات الموت. (الشريف حسين) يخطط مع المستعمر و(لورنس العرب) كيف يخلص العرب من العثمانيين، ويعيد الخلافة تحت إمرته على أكتاف الاحتلال! الجندي التركي وأمثاله تركوا شواهداً من جميلات صنعاء ذوات الأصول التركية وإن من جهة واحدة فيما الثوار الإماميون القدامى والجدد على حد سواء أخذوا جاهليات كل العصور مجتمعة، وأساؤوا لليمنيين أكثر من الأجانب، وأصبحنا ننتظر خمسين سنة أخرى للتحرر منهم، وحيث لا شهر زاد تلوح في الأفق بائعة نفسها للملك المستعمر الذي لا يكتفي بكل بلد حتى تنتهي عن آخرها فيما تستعد الأخرى لسنين الفناء والشقاء، لا شهرزاد تلهي المستعمر بقصصها التي لا تنتهي، لأنه لا يعرف إلا ذات القصص منذ أكثر من مائة عام، قصص النفط والحروب الداخلية والشعور بالقلق بعد كل مصيبة تسببها!
تنظر محدقا مرة أخرى وتصبح في المجهول ذاته. لديك من الكبرياء ما يجعلك تأنف أشياء كثيرة وترزح خلف سجون الظلمة. كبرياء وعزة نفسك تجعلك تحتمل أسرارك في سجن صدرك الغائر وبئرك العميق، ولو رأيته اليوم لوجدت آلاف القصص التي لم ترو بعد ولم يعرفها إلا أنت. تصبح انفصامياً بين واقعك وما يفترض أن يكون، حتى على أقل التقديرات، وتسير حياتك في خطين متوازيين بين شبحك الذي يمارس الأشياء مثقلاً بكل عوائق الماضي الموغلة وخط آخر متحرر من كل القيود لا يشعرك بشيء إلا الأسى والأنين. إنها كالمشهد الأكثر صدامية وسوداوية كما في (مرثية حلم) حيث وبعد فوات الأوان تنظر لحلم يقظتك وأنك حققت حلمك، حيث أصبحت تنكر واقعك وتهرب منه إلى كهفك وأملك الضائع.