في غمرة البحث عن الوطن وسط كل هذه الزحمة من الأخبار، وكل هذه الادعاءات والتلاعب بالمشاعر، تذكرت مقولة أحدهم مهدياً كتابه إلى أصدقائه قائلاً: "طيلة ما مررت به من حياة، تساءلت عما يعنيه الوطن، وأن يكون لك وطن حقيقي، حتى أدركت أخيراً بما لا يدعو للشك، أن الأصدقاء وطن. إلى أصدقائي ..."
ها هم يظهر البعض منهم في هذه الصورة، غير متملقين أحد، يبتسمون، متناسين هموم الوطن المثقل بالمتاعب، لا يجدون في نفوسهم حرجا من أن يضحكوا بأعلى أصواتهم أو أن يظهروا فرحا غير طبيعي بمناسبة انتهاء الاختبارات وبدء استراحة الطلاب (المحاربين) في أسبوعين شديدي القِصَرْ.
ها هم يتطلعون إلى الأعلى، إلى الغمام المختلط بالحمرة، وإلى ما وراء الغمام، لكأني أشاهد وأشهد ما رأوا ...
أحدهم ينظر إلى نفسه بعد سنوات التخرج ممسكاً هاتفه النقال وكأنه منتظرٌ لشيء ما، الجوال يرن، من؟ غير معقول، فلان زميلي في الجامعة كم افتقدناك!
الآخر ينظر إلى سنوات الغربة المضنية التي سيقضيها بعيداً عن الوطن، ويقول لنفسه، متى سأرجع، متى سأعود؟
شخص منهم ينظر منغمساً في أعمال لا تتعلق بتخصصه بصلة، أحدهم يفكر في مباراة الليلة، آخر سارح في النقلة النوعية التي ستحدث له عندما ينتقل إلى البلاد) ولا يمس فيها كمبيوتراً.
الآخر ينظر -مبتسما- إلى كل الأعمال الموكلة إليه ويفكر حائراً: أيهما أسوأ، الدراسة المتعبة أم الإجازة الأكثر تعباً؟!
ينتقل المشهد ليصبح ساخرا ومضحاً في آن. البيتزا تتأهب، تترقب، أين هم؟ لماذا تأخروا، تترقب، أخيراً، يأتون، يلتهمون البيتزا، تسيل الجبنة واللبنة على أفواههم، يعم الهدوء بعد الهرج والمرج، أصبحت بطونهم ممتلئة...
تتقاطع الأفكار والتوجهات، تتباين الخلفيات، تختلف الآراء، ولكن تظل الفرحة الساذجة، والدهشة الطفولية حاضرة وبقوة، لتثبت دائما وأبداً مهما تباعد الزمان أو قرب ، أن الأصدقاء وطن آخر .