تفكرت مليّاً قبل كتابة هذه السطور والتي ولا أدري ما السبب في أنني لم أستطع الكتابة عن أي شيء، وكأنني صرت خالي الوفاض من أي حسٍ كتابي، أو أي كلمات يمكن إلقاؤها على المجلة، ولن يأبه أحد و"كفى الله المؤمنين القتال".

لكن - ودائما ما هنالك لكن - لم أجد بُدّا من الحديث وإلقاء الكلمات جزافاً وعلى عواهنها، وإذا لم تعجبك إحدى الكلمات أعجبتك أخرى، وأرجو أن يكون المقال "كفافاً لا عليّ ولا ليا" وأن "أعود بالغنيمة بالإياب".

يقول الباري في محكم كتابه "ولئن شكرتم لأزيدنكم" ويقول "فاذكروني أذكركم" ويقول رسوله "لك العتبى حتى ترضى" ولو جُمع شكر العالمين ما استطعنا مكافأة نعمة واحدة من نعم الله الغني الحميد.

لكَ الحمدُ حمداً نستلذُّ به ذكراً   ***  وإن كنتُ لا أحصي ثناءً ولا شكرا

لكَ الحمدُ حمداً طيباً يملأ السما ***  وأقطارها والأرضَ والبرَّ والبحرا

وثناءً على رسوله، معلّم الأمم، ومتمم مكارم الأخلاق، والرحمة المهداة وحبيب الرحمن.

رسالة شكر نوجهها لوالدينا، فلهم منا كل الامتنان وعلى سبيل الشكر، وما هو من المكافأة في شيء، حتى لو واصلنا الليل بالنهار ابتغاء رد جميلهما، وكما قيل، فإننا لن نستطيع مكافأة إحسانهما وإنما تمريره لجيل بعدنا، لأولادنا والأجيال التي ستأتي تباعاً. نشكر أيضاً آباءنا وأمهاتنا الافتراضيين، من معلمين مربين ومن أقارب كانوا لنا نعم المرشدين ومعالم في طريقنا ترشدنا وقت الشدائد، وندعو بالرحمة لكل من فقد أحد أبويه أو كليهما ورزقهما الله من جناته وجمع كلاً منا بمن يحب، في "جنّات ونَهَرْ، في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر".

إلى آبائنا وأمهاتنا، حقا، لا نستطيع إيفاءكم بكل ما قدمتوه لنا، ولا نطلب منكم سوى المسامحة ولو لم يكن من هذا الحفل إلا فرحتكم لكفى. 

من هنا الطريق، طريق العلم المزيل لظلمات الجهل، من هنا الطريق، من أروقة العلم وفسحاته المليئة. طريق الحق والحرية والرفاه الذي لا يأتي إلا على أكتاف العلم، وقالوا: "إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم".

تعلم فليس المرء يولد عالماً *** وليس أخو علم كمن هو جاهلُ

ولو أردت إحصاء ما قاله الأولون والآخرون عن العلم لفاق عدد ما قالوا قدرتنا عن الإحصاء وزاد عن حد الاكتفاء.

إذا أردنا فعلاً أن نصل بأمتنا إلى المكانة التي تستحقها، وتُنتشل من وضعها المزري فلا مناص من طريق العلم ولا محيد عنه، وخاصة هذه العلوم، علوم التقنية والحاسوب والتي عليها تتهافت القوى العظمى وتحسب لها ألف حساب.

نريد أن نقول أيضاً أنه قد بلغ السيل الزُّبَى، واستحالت هذه البلاد إلى الحضيض بسعي أهلها غالباً، بسبب الحرب الدائرة رحاها على رؤوسنا جميعاً، وما منّا إلا وله مصاب وقد "مسّنا وأهلنا الضر".

وَما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُمُ  *** وَما هُوَ عَنها بِالحَديثِ المُرَجَّمِ

وإذا أردنا بناء هذا الوطن على قاعدة متينة فلا سبيل إلا الحوار بين أبنائه والألفة والمسامحة والبناء على النقاط المشتركة، وسنصل إلى هذه النقطة رغماً عناً ولكن نحن من يحدد التكلفة، وإلا سنبني وطناً هشّاً على شفا حفرة من النار تكاد أن تحرق كل شيء.

مع كل شيء حدث ويحدث حولنا، وبالرغم من كل شيء، فنحن نستشرف مستقبلاً مشرقاً بعد أن كان محرقاً، ونوراً يبدّد الدياجي المظلمة، فهذا سنة الله في كونه، فهو "يكوّر الليل على النهار ويكوّر النهار على الليل"، والأيام دول، فماذا بعد الشدة إلا الفرج، و"عسى أن تكرهوا شيئا وهو خيرٌ لكم". نريد أن نقول أننا رغم كل ما حصل، ها نحن ذا، خريجون، وطموحون وتوّاقون لمستقبلٍ مشرق. 

ما بين غمضة عينٍ وانتباهتها  ***  يغيّر الله من حالٍ إلى حالِ

عليكم أن تفخروا بأعزائكم الخريجين، وأن تشدوا على أيديهم لمواصلة العلم وسبر أغواره، فهم لم ينتهوا، بل بدأوا للتو؛ فالعلم هو الوسيلة والغاية معاً، والحياة مسيرة علم، وفضل العالم على غيره كفضل القمر على سائر الكواكب. 

افخروا بخِرّيجِيكم، وحللتم أهلاً ونزلتم سهلاً.

كان هذا مقالي في مجلة حفل التخرج بتاريخ ١٤ - ٧- ٢٠١٩ م .